باكستــان ضحيــة الإرهــاب الأميركــي 1
د.نسيب حطيط
كانت باكستان أول دولة إسلامية تمتلك السلاح النووي وذلك في منتصف السبعينات وأنتجت أول قنابلها النووية العام 1990 حيث تبلغ ترسانتها الحقيقية من 60 – 90 قنبلة نووية وذلك عبر العالم الباكستاني عبد القدير خان والذي أتهم بمساعدة إيران في برنامجها النووي.
وإضافة إلى قوتها النووية فإن موقعها الجيوسياسي حيث تمثل نقطة تماس مع أربع قوى عالمية أساسية (الصين- الهند- إ يران- وروسيا عبر الجمهوريات الأسيوية وأفغانستان) وتعادل بعدد سكانهاالذي يبلغ حوالي 180 مليون نسمة أي نصف العالم العربي وجميعهم من المسلمين بدون اثنيات أخرى 98% وذلك بعد إنفصالها عن الهند عام 1947.
وفي احتلال الإتحاد السوفياتي (السابق) لأفغانستان أخذت باكستان دورا مركزيا كقاعدة إنطلاق لمواجهة الإحتلال السوفياتي وذلك لسببين.
- علاقاتها المميزة مع أميركا والتي فرضت على باكستان أن تكون قاعدة أميركية لمواجهة السوفيات في أفغانستان.
- البيئة الإسلامية التي تميز المجتمع الباكستاني حيث تمثل المدارس الدينية المرتكز الأساسي للتعليم في باكستان وكذلك إسقاط السلوكيات الإسلامية على المجتمع ومفرداته.
وبناء على هذين الأساسين دعمت المخابرات الباكستانية المجاهدين في أفغانستان وسهلت فيما بعد وصول ما يعرف بالأفغان العرب،ومن ثم صناعة حركة (طالبان) الأفغانية عام 1994 بقيادة الملا محمد عمر، والتي أمسكت الحكم في أفغانستان بعد تغلبها على حركات المجاهدين الذين قاتلوا وهزموا الإتحاد السوفياتي ،وكان قرار صناعة حركة طالبان بقرار أميركي وذلك لحصر قوى المجاهدين الأفغانيين (بنافذة واحدة) تمسك بها المخابرات الباكستانية من جهة والمخابرات الأميركية من جهة أخرى، وتم تسهيل ودعم هذه الحركة لإنجاز مهمتها وذلك في سيناريو يشبه صناعة (القاعدة) بقرار أميركي ودعم عربي (مصري - سعودي) لتأمين الأفغان العرب وذلك قبل ستة أشهر من الغزو السوفياتي لأفغانستان وهذا ما صرح فيه "زبغنيو بريجنسكي" مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي كارتر في مقابلة مع صحيفة أوروبية حيث قال: قرر مجلس الامن القومي الامريكي برئاسة جيمي كارتر صباح 27 ديسمبر بتوجيه رئاسي يقضي " ان يتوجه مستشار الرئيس للامن القومي " زبغنيو برجنسكي " الى منطقة الشرق الاوسط بادئا بالقاهرة لمقابلة الرئيس انور السادات والبحث معه في تنظيم جهد اسلامي شامل يساند المقاومة الاسلامية الافغانية في مواجهتها لجيش الاتحاد السوفيتي، ثم يتوجه مستشار الامن القومي بعد القاهرة الى الرياض لمقابلة الملك خالد وولي العهد الامير فهد ووزير الدفاع الامير سلطان، ويجري معهم محادثات تضمن حشد موارد السعودية ونفوذها لقيادة جهاد اسلامي ضد الشيوعية في افغانستان ،واذا نجح بريجينسكي في مهمته مع الرئيس السادات فانه يستطيع ان ينقل الى القادة السعوديين ما يطمئنهم الى انهم ليسوا وحدهم في ساحة الجهاد واخيرا يتوجه مستشار الامن القومي الى باكستان ليقوي موقف الحكومة فيها بموارد السعودية ونفوذها، وبثقل مصر ووسائلها وحتى تثق هذه الحكومة في اسلام اباد انها سوف تكون وسط عمل اسلامي يلتف فيه من حولها ،ويجمع على ارضها قوى الاسلام وامكانياتها.
وكان ذلك حلم باكستان الذي بدا بعيد المنال والان اصبح في متناول اليد وطوال الاسبوع الاول من شهر يناير 1980 كان زبغنيو بريجنسكي مستشار الرئيس كارتر للامن القومي في زيارة سرية ممتدة للشرق الاوسط يوم 3 يناير قابل الرئيس انور السادات وفي 4 يناير كان في جدة يقابل الامير فهد و الامير سلطان ويوم 5 يناير وصل بريجنسكي الى اسلام اباد ليرتب الارضية للجهاد باسم الاسلام ضد الالحاد.
لكن العملية كما اتضح الان كان وراءها اكثر مما ظهر منها لان الجهاد الاسلامي الذي اعلن ضد الاتحاد السوفيتي وانما كان خطوة وسط سياق جرى قبلها واستمر بعدها:
- كانت الخطوة الاولى قرارا اميركيا بازعاج السوفييت في جمهورياتهم الجنوبية من قواعد افغانستان
- والخطوة الثانية تصعيد هذا النشاط وتكثيفه الى درجة تضطر السوفيت الى التدخل العسكري
- واخيرا تجئء الخطوة الثالثة وهي اعلان الجهاد عندما يقع الدخول السوفيتي المامول و المطلوب وذلك سياق الحقائق التي تكشفت اخيرا ان بريجنسكي كان يتستر عليها ، لكنه اخيرا فتح خزائن ذاكرته و اوراقه واعترف في حديث مع المجلة الفرنسية " لانوفيل اوبسرفاتور " اعترافا كاملا وافيا - وقد جرى الحديث بالنص التالي :إن التدخل الامريكي لمساندة " المجاهدين " بدا قبل ذلك بستة شهور لانني يوم 3 يوليو سنة 1979 عملت على اصدار توجيه رئاسي من كارتر بتقديم المساعدات الممكنة الى العناصر المعادية للسوفييت في كابول وفي ذلك اليوم كتبت للرئيس مذكرة قلت فيها : " ان موقف السوفييت يزداد صعوبة في افغانستان كل يوم واعتقد اننا اذا رفعنا الضغط درجة فاعتقادي ان الاتحاد السوفييتي سوف يرغم على التدخل عسكريا ومباشرة في افغانستان .وسأله الصحافي :
" هل تعرف ان ذلك معناه انكم اعطيتم السلاح للارهابيين الذين اصبحوا اعداء لكم.... انكم خلقتم بذلك صورة الاسلام الارهابي ؟
فأجاب بريجنسكي : ايهما افضل للغرب : انهيار الاتحاد السوفيتي او ممارسة الارهاب بواسطة الجماعات الاسلامية ... ايهما اخطر على الغرب : طالبان او الاتحاد السوفييتي؟
ورد الصحافي : لكن الارهاب الاسلامي يمكن ان يتحول الى موجة عالمية ؟
بريجنسكي : هذا كلام فارغ يخلط بين الاسلام وبين مظاهر العولمة، لننظر الى الاحوال الاسلامية بدون تهييج ،هناك دين له احترامه وله اتباع يقدر عددهم بمليار و نصف المليار من الناس، لكن الدين لا يجمع هؤلاء سياسيا في التحليل الاخير ما الذي يجمع مسلما اصوليا من السعودية او مسلما عسكريا من باكستان او مسلما معتدلا من المغرب او مسلما متعلما من مصر او مسلما قبليا من وسط اسيا ? ... لا شيء
,هذا ماخططه الأميركيون لباكستان وافغانستان ،ووفق المنهجية الأميركية بالتخلص من حلفائها وادواتها بعد استخدامهم والتخلي عنهم كما فعلت مع شاه ايران وحسني مبارك وزين العابدين بن علي والقذافي وصدام ،فما الذي تخبئه لباكستان بعد اغتيالها لبن لادن على الأراضي الباكستانية..؟(يتبع)